
ليل الكائنات ويقظة الروح : حين تنطفئ الأشكال لتُضيء الحقيقة
ليل الكائنات تمرّ بنا لحظات في الحياة يبدو فيها كل شيء وكأنه ينطفئ… تنسحب المعاني، وتفقد الأشكال بريقها، ونشعر بأن الكون كله دخل في حالة “ليل”. لكنه ليس ليل الانفصال أو الظلمة، بل هو ليل الكائنات الذي تُولد فيه يقظة الروح، حينما تُغلق الحواس أبوابها، وتُفتح نوافذ البصيرة.
ماذا يعني “ليل الكائنات”؟
هو تلك المرحلة التي تنحل فيها التعلقات، وتخبو فيها الأنا، وتتراجع الرغبات الدنيوية.
هي اللحظة التي يصمت فيها الخارج ليبدأ الحديث من الداخل.
في هذا الليل، تخفت الأصوات المادية ويخفت معها الإدراك الحسي، ليُفسح المجال لحضور أعمق وأصدق: يقظة الروح.
في ليل الكائنات، لا يُطلب من الإنسان أن يفهم، بل أن يذوق، أن يخضع بوعي لا بإجبار.
يقظة الروح المنظمة: العودة إلى جوهرنا
حين تنام الكائنات، تصحو الروح. هذه المفارقة ليست مجرد استعارة، بل حقيقة شعورية يعيشها من سلكوا طريق الوعي.
يقظة الروح هي عودة إلى الأصل، إلى ترتيب داخلي فطري أودعه الله فينا، لكنها يقظة لا تتبع الفوضى، بل تنتظم بقوانين الروح:
-
قانون الصمت
-
قانون الحضور
-
قانون الرؤية الباطنية
كلما سكنت الكائنات، تكشف الغطاء عن حضور أعظم: الروح المتصلة بالمصدر.
يقظة الكائنات: ليل الحكيم
في المقابل، عندما تستيقظ الكائنات وتضج الحواس بالحركة، تنشغل النفس بالمظاهر، وتُغلق بوابات البصيرة.
لكن عند الحكيم الحقيقي، تبدأ الرؤية العميقة عندما يصحو العالم الخارجي، لأنه يرى في “الصحوة الظاهرية” ليلاً آخر، من نوع خاص: ليل يغطي الحقيقة بنور مزيف.
لذلك قال العارفون:
“نهار الناس ليل العارف، وليل الناس فجره”.
بين الليلين: مفارقة الحكمة
-
ليل الكائنات ليس ظلمة، بل بداية انكشاف.
-
يقظة الكائنات ليست نورًا، بل بداية انشغال.
الحكيم يرى النور في الداخل، لا في ضجيج الأشكال.
ويرى الليل في الخارج، حين تنشغل الأرواح عن حقيقتها.
كيف نعيش هذه المفارقة بوعي؟
-
خصص وقتًا للصمت اليومي.
انسحب من الخارج لتصغي للداخل. -
راقب مشاعرك دون حكم.
فالليل يأتي بالمكاشفة، لا بالإدانة. -
استبدل التفاعل بالتماعُن.
لا ترد بسرعة، بل تذوّق الحدث من داخله. -
احترم لحظات السكون في حياتك.
فقد تكون أكثر لحظاتك امتلاءً بالوحي.